تصميم جديد لمفاعل نووي اندماجي قد يجلب لنا طاقة إندماج نووي قريبًا - Egyptian Researchers - الباحثون المصريون

تصميم جديد لمفاعل نووي اندماجي قد يجلب لنا طاقة إندماج نووي قريبًا

هناك مُزحةٌ قديمة تقول بأن علماء الإندماج النووي قد سئموا من سماع جملة: «إن تواجد محطات لتوليد الطاقة النووية الاندماجية أمر يبعُدُ عنّا قُرابةَ الثلاثين عاما». ولكن الآن وأخيرا، أصبحت هذه المُزحة البغيضة غيرَ صحيحة، حيث أن التطور في تكنولوجيا المغانط قد مكّن الباحثين في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT من طرح تصميم جديد لمُفاعل توكاماك tokamak الاندماجي النووي، وأن هذا التصميم بإمكانه العمل خلال مدة لا تتجاوز العَقد الواحد. فحسبما يقولون فإن عصر الطاقة النووية الاندماجية الذي قد يوفر مصدر طاقة لا ينضب قد اقترب كثيرا.

دعونا في البداية نعطيكم نبذةً عن ماهية الاندماج النووي.
على عكس الانشطار النووي أو الذري الذي تنشطر فيه الذرة، فإن الاندماج النووي هو عملية تتجمع فيها نواتان ذريتان لتكوين نواة واحدة أثقل، واندماج الأنوية هذا تنتُج عنه طاقة هائلة جدا مقارنةً بالانشطار الذري. أحد أهم الأمثلة على ذلك هو ما يحدث في النجوم؛ حيث تندمج نواتا ذرتَيْ هيدروجين لإنتاج ذرة أثقل وهي (الهيليوم 4)، بالإضافة إلى طاقة عالية جدا. تحتوى المحيطات على كميات كافية من (الدويتريوم) اللازم للتفاعل، فإذا تمكّن العلماء من استخدامها لإنتاج الطاقة فإن ذلك سيُمد الكوكب بطاقة لا تنضب لآلاف السنين. كما أن المواد المنبعثة عن الاندماج كما ذكرنا (الهيليوم 4) مواد غير مشعّة.

عودة إلى التصميم الجديد؛ تُستخدَم الموصّلات الفائقة المتوفرة و(باريوم أكسيد النحاس) فائق التوصيلية، لإنتاج لفائف حقل مغناطيسي عالي، فكما يقول دينيس وايت Dennis Whyte، بروفيسور العلوم والهندسة النووية ومدير مركز علم البلازما والاندماج النووي بمعهد ماساتشوستس للتكنولجيا، أن هذه اللفائف عبر التصميم كلِّه ستغير الأمر بأسره.

الحقل المغناطيسي القوي يُمكّن العلماء من احتجاز البلازما فائقة السخونة بالمُفاعل، حيث أن البلازما هي المادة التي ستُصهَر نوويا. والسبب في تحول المادة المُراد انصهارها إلى حالة البلازما هي الحرارة العالية جدا التي تتطلبها هذه التفاعلات. التصميم الجديد صغير الحجم، الأمر الذي يجعل تكلفة الإنشاء أقل كثيرا من التصميمات السابقة، ويعطي المجال لبعض المميزات المبتكرة لتصميم محطة الطاقة الجديدة.

المُفاعل الجديد، والذي يستخدم شكل التوكاماك الدائري الهندسي، وُصِف في ورقة بحثية في جورنال Fusion Engineering and Design كتبها كلٌ من دينيس وايت وبراندون سوربوم Brandon Sorbom و11 آخرين في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. البحث درّسَه وايت في البداية، وبعد انتهاء تدريسه قاد الطلابُ المشروعَ العلمي.

المفاعل الجديد مُصمَّمٌ من أجل الأبحاث القائمة على الاندماج النووي، وأيضا ليكون محطة توليد كهرباء عالية الطاقه. وتم التصميم وفقَ مبادئ علمية مُثبتة ومُطورة عبر عقود من الأبحاث في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وفي جميع أنحاء العالم.

وفق ما يقول سوربوم: «كلما كان الحقل المغناطيسي أقوى، تمكنّا من الحصول على أداء أعلى للمفاعل». لطالما كان احتجاز البلازما فائقة السخونه أمرا بالغ الصعوبة. لك أن تعرف أن حرارة البلازما تفوق حرارة لُب الشمس، لهذا تُعد الحقول مهمة جدا في المفاعل حيث تقوم باحتجاز الحرارة والجسيمات في مركز الجهاز.

وبينما لا تنتِج الموصّلاتُ الفائقة الجديدة مضعافةً كبيرة في قوة الحقل المغناطيسي، إلا أنها قادرة على زيادة طاقة الاندماج إلى ما يقارب العشرة أضعاف مقارنةً بالموصلات الفائقة العادية.

المفاعل الاندماجى الأكبر في العالم، والذى ما زال قيد الإنتاج في كاداراش بفرنسا، يُسمى «المفاعل النووي الحراري التجريبي الدولي» أو أيتر ITER، ومن المتوقع أن تبلغ تكلفة إنتاجه 40 مليار دولار. أما تصميم ماساتشوستس الجديد سيكون حجمه نصف حجم مفاعل أيتر، وسينتج نفس طاقته ولكن بتكلفة أقل، وفي وقت إنشاء أقل كثيرا. ولكن الأسس الفيزيائية لكِلا المفاعلين واحدة، فمفاعل ARC ليس علامةً تجاريةً جديدة، ولكن ما زال للتصميم الجديد مميزات عدة.

التصميم الجديد لديه طريقة لإزالة لُب طاقة الاندماج داخل المفاعل دون فَكّ الجهاز بأكمله، وهذا يجعله مناسبا جداً للأبحاث التي من شأنها تطوير منظومة عمل المفاعل فيما بعد. كما أن المغانط فائقة التوصيل الجديدة بإمكانها العمل بشكل ثابت لتنتج طاقةً مستقرة، على عكس المفاعلات التجريبية التي لا تستطيع العمل سوى ثوانٍ معدودة دون أن ترتفع حرارة لفائف النحاس.

ميزةٌ أخرى لدى هذا التصميم؛ وهي أن المواد الصلبة التي تُستخدم لإحاطة غرفة تفاعلات الاندماج بالمفاعل قد استُبدِلت بمواد سائلة من السهل تغييرها. فعلى عكس المواد الصلبة التي تتطلب كلفة عالية في تغييرها لأنها تتحلل بمرور الوقت في تلك الظروف القاسية من الحرارة، فإن المواد السائلة لا تشكل هذه الصعوبات ولا تتطلب كلفة مثل كلفة المواد الصلبة.

من المفترض أن تكون الطاقة الناتجة من المفاعل ثلاثة أضعاف الطاقة اللازمة لتشغيله، إلا أنه من المقرر أن يُطَوّر التصميم فيما بعد لكي ينتج خمسة أو ستة أضعاف من الطاقة، وهو تقدم كبير جدا لم ينتجه أي مفاعل تجريبي سابق. ومن المتوقع أن يكون المفاعل قادرا على تزويد 100.000 شخص بالكهرباء.

لذا فإن هذه المميزات العدة من شأنها أن تُحدث طفرةً كبيرةً في تكنولوجيا الاندماج النووي، والتي ساد الاعتقاد بأنها ستكون مصدرا رئيسيا للطاقة بحلول القرن الثاني والعشرين. إلا أننا نحتاج أن تقترب المسافة كثيرا لإنتاج هذه الطاقة لتجنب الاحتباس الحراري المتزايد بشكل كبير، لذا فإن التصميم الجديد الذي من المقرر أن يكون وقت إنتاج مُفاعله خمس سنوات من شأنه أن يقرب المسافةَ كثيرا للحصول على هذه الطاقة.

في الوقت الراهن يجب أن يجتذب التصميم اهتمام صانعي السياسة والمستثمرين، لأن بناء مثل هذه المفاعلات في حد ذاته خطوةٌ كبيرةٌ إلى الأمام للبشريةِ بأكملها.

إعداد: Hamood Ềl Magnifico
مراجعة: Ali Adham
تصميم: Mohamed Qamar-Eddine

#الباحثون_المصريون