لماذا يؤمن البعض بنظريات المؤامرة؟
تردد على مسامعنا مصطلح نظرية المؤامرة بكثافة في الآونة الأخيرة، إذ يظن البعض أن هناك مجلسًا أعلى للعالم، أو أن شعار الباحثون المصريون يرمز إلى شيء سري!
هل ناسا تعبث بالعقول؟ أو أن كائنات فضائية تتواصل معها؟
عند حدوث أي واقعة كبيرة، فعادة ما يكون هناك نظرية تقول أنها نتيجة لمؤامرة كبرى، وعلى الرغم أنه قد يكون الإعتقاد بالمؤامرات قائمًا على تحليل منطقي ومبرهن؛ لكن ليس في معظم الأحوال، والواقع أن نظريات المؤامرة هي الموضوعات الأكثر انتشارًا في العالم، فكيف يقع العقلاء منا في فخ أنسجتها المتشابكة؟!
نحن البشر لدينا القدرة على إيجاد روابط ذات مغزى من كل ما يحيط بنا من أشياء ومواقف بل ولدينا القدرة على الإتيان بالدلائل المسببة لهذه الروابط؛ لكن في بعض الأحيان نرى دلائل وروابط ليست موجودة من الأساس! خاصة إذا شعرنا بأننا فقدنا القدرة على التحكم في الأحداث. أكدت دراسة في علم النفس تفيد بأن قلة التحكم في الموقف ترتبط باعتقاد قوي لنظريات المؤامرة أما التحكم العالي سجل ضعف في التصديق بها.
إنجذابنا لنظريات المؤامرة تنشأ من «إنحيازنا الإدراكي» وهذا ما يشكل طريقة تعاملنا وتفكيرنا في المعلومات التي نستقبلها، ومن أمثلة الإنحياز الإدراكي ظاهرة شائعة جدًا وهي «الإنحياز التأكيدي-Confirmation Bias » وهو دافع قوي للاعتقاد بالمؤامرا ت، فجميعنا لدينا الميل إلى ترجيح الأدلة الداعمة لما نؤمن به ونتجاهل الأدلة التي تناقض معتقداتنا. الوقائع التي غالبًا ما يكون لها شأن بالدين أو السياسة تصبح محط لنظريات المؤامرة وتميل إلى الغموض في جوهرها كما أن التقارير الأولية قد تحتوي على أخطاء وتناقضات وملابسات فكرية ومن يرغب في العثور على أدلة تمويهية سيركزون على هذه المتناقضات لتحقيق مطالبهم.
هناك نوع آخر من الإنحياز الإدراكى المتعلق بنظريات المؤامرة وهو «الإنحياز التناسبي- Proportionality bias» فنحن نميل إلى التصديق بأن الوقائع الكبيرة لها أسباب كبيرة أيضًا، وهذا قد يفسر إنجذابنا نحو الإعتقاد بالمؤامرات وهذا يعتبر سببًا بأن أشخاصًا كثر لم يشعروا بالإرتياح لفكرة أن الرئيس جون كنيدي كان ضحية رجل مختل ووجدوا أنه من الأسهل قبول فكرة أنه ضحية لمؤامرة كبرى.
الإنحياز الإدراكي الأخير هو ظاهرة الإنقلاب «projection»، الذين يؤيدون نظرية المؤامرة هم أكثر عرضة لممارسة السلوكيات التآمرية مثل نشر الشائعات والميل إلى الشك نحو الآخرين؛ فإذا كنت تنخرط في مثل هذه السلوكيات سيبدو طبيعيًا أن الآخرين حولك يتعاملون بنفس الطريقة، فخلق المؤامرات هو الأكثر قبولًا وإنتشارًا فضلًا عن ذلك؛ فإن الناس الذين يميلون نحو التفكير التآمري يكونون أكثر عرضة لتأييد نظريات متناقضة! فمثلًا؛ إذا كنت تعتقد أن أسامة بن لادن قد قتل منذ سنوات عديدة قبل أن تعلن أمريكا عن خبر وفاته رسميًا؛ فقد تكون أنت أكثر من يعتقد أنه لا يزال على قيد الحياة!
هل الإحساس القوي بوجود المؤامرات يعتبر مرض نفسي؟
لا ليس بالضرورة؛ ففي دراسة أجريت على (150) شخصًا وجدوا أن الأشخاص الذين يميلون للملل سريعًا هم أكثر ميلًا للاعتقاد بنظريات المؤامرة. فالتعرض للملل هو سمة طبيعية ولكن بعض الأشخاص الذين يملّون أسرع من غيرهم لديهم إحساس بمشاعر غير سارة كالقلق والشك لهذا يزداد لديهم الاعتقاد بالمؤامرات كنوع من التخفيف من هذا القلق. وقد ترتبط بعض الأمراض النفسية كجنون الارتياب أو البارانويا والاكتئاب والفصام والوسواس القهرى بزيادة الاعتقاد بالمؤامرات, كما أشارت الدراسة التي أجراها «Mitchell Von» أن البارانويا هي أكثر الأمراض النفسية المرتبطة بنظريات المؤامرة, وهذا أمر بديهي فعندما تشك في الأشخاص حولك سيجعلك تقلق بشأن انعقاد مؤامرات سرية والشك في مصداقية الأحداث العادية.
وقد يكون هذا الاعتقاد مصاحبًا أكثر للشخصيات التي تتسم بالتشاؤم؛ فتقول «جينيفر جاكيه Jennifer Jacquet» فى رد على سؤال وُجّه لها بعنوان «ما الذى يجب أن نشعر بالقلق نحوه؟»: «هناك تأثير يسمى (Anthropocene Effect) وهي حالة نفسية تزيد من تفاقم الضرر الناتج من البشر لأنفسهم وهو الاعتقاد بـ(الشؤم المحتوم) الذي يجعل البشر يعتقدون بأن الدمار والخراب لابد منه.»
فى الواقع؛ لا شيء مما سبق يثبت أن جميع نظريات المؤامرة غير صحيحة, ولكن الهدف الأساسي أن بعض الأفراد قد يكون لديهم ميل للعثور والانخراط في مثل هذه النظريات الجذابة، وجوهر الموضوع هو أن المعتقدين بالمؤامرات ليسوا متأكدين من التفسير الحقيقي للوقائع ولكنهم ببساطة متأكدين أن الأحداث ليست صحيحة أو أنها أكثر عمقًا وإثارة على ما تبدو! وإن كنت لا تعتقد بنظريات المؤامرة فيجب أن نعترف أن مجرد التفكير بها أمر ممتع حقًا؛ فهى قصص مشوقة تصّور الصراع بين الخير والشر، وهذا سبب أن نظريات المؤامرة تعتبر علفًا للأفلام في هوليوود ومصدرًا ملهمًا للروايات الأكثر مبيعًا في العالم وقد يفيد التفكير بالمؤامرات الشريرة في التخفيف من الملل الذي نشعر به كالمعتاد.
أخيرًا, يقول ستيفن هوكينج: «عند دمج سلطة العلماء والصحفيين مع سلطة الإعلام والترفيه, لا يتوقع العلماء الذين يحدقون بأعينهم في التليسكوبات وشاشات الكومبيوتر أن يتنافسوا من أجل شغل حيز في مخيلة الجمهور.»
إعداد: Nabila Baghdady
مراجعة: Matalgah Hamzeh
تصميم: Abdallah Taha
#الباحثون_المصريون #علم_نفس